س/ نسمع كثيرا عن فتاوي تصدر من غير أهلها وللأسف فإننا نسأل كل من يظهر في التلفزيون أو نراه صاحب لحية كبيرة ويعيش وسطنا وندرك تضاربا واختلافا في الفتاوى فهل هناك شروط لا بد من توافرها في الشخص الذي نستفتيه ؟ نرجو تفصيل ذلك .
الجواب:
جاء في الحديث الصحيح أن رسول الله r قال " إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العلماء ، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبقى عالم اتخذ الناس رءوسا جهالا ، فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا " والمراد بالعلماء في هذا الحديث أولئك الذين أفنوا أعمارهم في دراية كتاب الله وسنة رسوله r وتعمقوا في فهمهما ، وعملوا على نشرهما بصدق ، وإخلاص نية .
والذي يرصد الحركة العلمية الإسلامية في عصرنا الحاضر يمتلكه الخوف ،والإشفاق من أن يكون هذا العصر الذي يشير إليه الحديث الشريف قد بدأ ، فأكثر الذين يتصدون للفتوى ، والقول في شريعة الله لم يحصلوا من العلوم التي تؤهلهم لذلك إلا القليل مما يجعلنا نقول عنهم إنهم فقهاء بغير فقه .
| ومن يكن آخذا للعلم من كتب فعلمه عند اهل العلم كالعدم |
والواجب على المستفتي أن يستفتي من عرفه عالما عدلا سواء أكان ذكرا أم أنثى .
أما من يراه مشتغلا بالعلم، أو يرى عليه علامات الصلاح والدين فلا يجوز استفتاؤه بمجرد ذلك.
والحق أنه لو عرف الناس خطورة الفتوى ما تجرأ أحد عليها ، ولأحال بعضهم على بعض خوفا من المسئولية والحساب أمام الله ، ولكن حب الظهور يقصم الظهور .
ولما كان للفتيا أهمية كبرى في الشرع وضع العلماء للمفتي شروطا لا بد منها هي : الإسلام ، والتكليف ، والعدالة ، وأن يكون فقيه النفس بمعنى أن يكون بطبعه شديد الفهم لمقاصد الكلام صادق الحكم على الأشياء ، ويرى الأئمة مالك والشافعي وأحمد أنه يشترط الاجتهاد في المفتي أيضا .
أولها:ما قاله الإمام أحمد رحمه الله في شأن المفتي حيث قال : لا ينبغي للرجل أن ينصب نفسه للفتيا حتى يكون فيه خمس خصال :
أولها : أن تكون له نية ، فإن لم تكن له نية لم يكن عليه نور ولا على كلامه نور .
الثالثة: أن يكون له علم وحلم ووقار وسكينة ، والحق أن صاحب العلم يحتاج إلى الحلم والوقار والسكينة فإنها كسوة علمه ، وجماله وإذا فقدها كان علمه كالبدن العاري من اللباس .
الثالثة :أن يكون قويا على ما هو فيه وعلى معرفته .
الرابعة : أن يكون عنده ما يكفيه ويكفي أولاده لأن المفتي إذا لم تكن عنده كفاية احتاج إلى الناس وإلى الأخذ مما في أيديهم فلا يأكل منهم شيئا إلا أكلوا من لحمه وعرضه أضعافا .
فالعالم إذا منح غناء فقد أعين على تنفيذ علمه وإذا احتاج إلى الناس فقد مات علمه وهو ينظر .
الخصلة الخامسة: معرفةالناس حيث أنها أصل عظيم يحتاج إليه المفتي والحاكم حتى لا يظهر أمامه الظالم في صورة المظلوم ويروج عليه المكر والخداع.
قال ابن القيم رحمه الله : بل ينبغي أن يكون فقيها في معرفة مكر الناس وخداعهم واحتيالهم وعوائدهم فإن الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان والعوائد والأحوال .
والخلاصة: أن الفتوى لها مكانتها وقدسيتها ويجب أن لا يتصدى لها إلا من هو أهل لذلك وليتذكر كل من يرى نفسه أهلا لها ماقاله الإمام مالك رحمه الله: ما أفتيت حتى شهد لي سبعون من العلماء أني أهل لذلك.
وعلى المستفتي أن يسأل العالم العامل بعلمه المخلص في عبادته المراقب ربه البعيد عن الأهواء وحب الظهور والله تعالى أعلم .
المصدر كتاب شيخي الأستاذ الدكتور محمد إبراهيم الحفناوي (فثاوي شرعية معاصرة ص 613 دار الحديث بالقاهرة ) .








0 التعليقات:
إرسال تعليق