وإذا رجعنا إلىالمعنى اللغوي للتضرع لوجدناه يدور حول الطلب بذل وخضوع واستكانة، ومادةضرع تدل على لينٍ في الشيء، ومن هذا الباب ضرع الشاة، فلو نظرت إلى صغيرالحيوان حين يلتقم ثدي أمه، فيلح ويرتفع وينخفض ويجتهد بكل قوته كي يجذبهذا اللبن الذي به حياته لعرفت مدى الارتباط بين المعنى اللغوي والمعنىالشرعي للتضرع فالتضرع هو دعاء الله وسؤاله بذل وخشوع وإظهار للفقروالمسكنة، وهذا الحالة يحبها ربنا ويرضاها، بل أمر عباده بها: {ادْعُوارَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}.....(الأعراف : 55).
يأخذ عباده بالبأساء والضراء ليتضرعوا
إن من أعظم أسباب دفع البلاءتضرع العبد لربه جل وعلا كما بيّن الله في كتابه الكريم: {وَلَقَدْأَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِوَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ * فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْبَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُالشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}...... (الأنعام: 43،42).
الغاية من أخذ العباد بالبأساء والضراء أن يضرعوا إلى اللهإن العباد قد يغفلون في أوقات الرخاء عن هذه العبادة الجليلةلكن لا ينبغي أن يغفلوا عنها في أوقات البلاء والمحنة ولو أنهم غفلوا فيالحالين لعرضوا أنفسهم لعقوبة الله: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَاأُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ * فَقُطِعَدَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّالْعَالَمِينَ}.... (الأنعام: 44 ، 45).
ولقد أخبر الله تعالى عنأقوام ابتلاهم وتوعدهم بالعذاب فاستكان بعضهم وتضرع إلى الله فكشف اللهعنهم عذاب الدنيا، وأخبر عن آخرين ابتلاهم وتوعدهم لكنهم تكبروا وتجبرواوما استكانوا ولا تضرعوا فأخذهم العذاب.
أما الأولون الذين تضرعوا فمنهم قوم يونس عليه السلامالذين قال الله عنهم: {فَلَوْلا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَاإِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْعَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَىحِينٍ}.... (يونس : 98).
وقدذكر بعض المفسرين أن قوم يونس خرجوا إلى الطرقات واصطحبوا نساءهم وأطفالهمودوابهم ودعوا وجأروا إلى الله، وقيل : إنهم ظلوا على هذه الحالة أيامايدعون ويستغيثون ويتضرعون ويبكون فكشف الله عنهم عذاب الدنيا منةً منهوفضلا.
أما الآخرون الذين لم يظهروا الفقر والضراعة فقد قال عنهم:{وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْوَمَا يَتَضَرَّعُونَ* حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَاباً ذَاعَذَابٍ شَدِيدٍ إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ}..... (المؤمنون: 76-77).
الرسول صلى الله عليه وسلم سيد المتضرعين:
لقد كانت حياة رسولنا صلى الله عليه وسلم كلها لله، وقد عرض عليه ربه أنيجعل له بطحاء مكة ذهبا فقال صلى الله عليه وسلم: "لا يا رب، ولكن أشبعيوما، وأجوع يوما. فإذا جعت تضرعت إليك وذكرتك، وإذا شبعت شكرتك وحمدتك".
وقد رأيناه صلى الله عليه وسلم في كل أحواله متضرعا خاشعا متذللا لربه تبارك وتعالى.
في الاستسقاء:
خرج متبذلا متواضعا متضرعا حتى أتى المصلى فلم يزل في الدعاء والتضرع والتكبير وصلى ركعتين كما كان يصلي في العيد.
وعند رمي الجمار:
فإنه صلى الله عليه وسلم كان يرمي الجمار في أيام التشريق إذا زالت الشمس،ويكبر مع كل حصاة، فإذا رمى الأولى وقف يدعوا ويتضرع، وكذا بعد الثانية،أما الثالثة فلم يكن يقف عندها.
وفي الجهاد:
رأيناه يتضرع ويدعو في بدر ويستنصر ربه حتى أنزل الله المدد: {إِذْتَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْبِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ}.... (الأنفال : 9).
وفي يوم الأحزاب:
دعا ربه وتضرع حتى صرف الله عن المسلمين الشر وكفاهم كيد أعدائهم.
وعند الكرب:
يذكر ربه ويذل له ويدعوه: "لا إله إلا الله العليم الحليم، لا إله إلاالله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السموات والأرض ورب العرشالكريم".
وهكذا كان في كل أحواله صلى الله عليه وسلم وهكذا تعلم منه أصحابه وعلموا مَنْ بعدهم.
نسأل الله أن يجعلنا أفقر خلقه إليه، وأغناهم به عمن سواه.
المصدر: موقع الشبكة الإسلامية







0 التعليقات:
إرسال تعليق