وحظيت هذه الدولةباعتراف دول العالم وأصبحت عضوا عاملا فى هيئة الأمم المتحدة، بعد أن قلبتإسرائيل الوضع الديموجرافى لسكان البلاد الأصليين وأصبح اليهود يشكلونأغلبية من أكثر قليلا من ٧٤% من مجموع السكان فى هذه الدولة، مثل هذاالأمر لم يحدث من قبل لا فى الممالك التى أنشأتها الحملات الصليبية(١٠٩٦–١٢٩١)، ولا فى النموذج الفرنسى لاحتلال الجزائر (١٨٣٠-١٩٦٢)، ولاحتى فى نموذج جنوب أفريقيا (٥ ملايين مستعمر أبيض مقابل ٢٤مليون مواطنأفريقى من قبائل البنتو و٤ ملايين آسيوى).
هذه الوضعية المعقدة لايمكن مواجهتها بالشعارات التبسيطية أو بالنبوءات الوردية التى اعتمد بعضهاعلى ضرب الرمل ووشوشة الودع واعتمد بعضها الآخر– لا فرق– على الأساطيروالمرويات والتراث المشبع بالتفكير الغيبى.
وتتفاقم إشكالية هذاالاحتلال لأن دولة إسرائيل التى خصص لها قرار التقسيم رقم ١٨١ الصادر فى٢٩/١١/١٩٤٧ نسبة ٥٦,٤% من مساحة فلسطين، كانت تمددت بعد هزيمة العرب عام١٩٤٨ لتحتل مساحة ٧٨% من فلسطين ولم تكتف بذلك بل تابعت بعد ٦٧ قضمواستيطان المزيد من أراضى الضفة الغربية والقدس استنادا إلى ما يسمى بالحقالتاريخى لليهود فى ارض الآباء.
كان المؤتمر الصهيونى الأول (مؤتمربازل بسويسرا ١٨٩٧) قد دعا إلى اقامة وطن قومى للشعب اليهودى فى فلسطين،ومع ذلك كان هرتزل مؤسس الحركة الصهيونية مستعدا إقامة هذا الوطن فى مواقعأخرى غير فلسطين، وقد بحثت بجدية عدة خيارات تبادلية لإقامة هذا الوطن فىالأرجنتين أو فى العريش أو قبرص أو ليبيا أو العراق أو حتى فى عدة مواقعأفريقية مثل الموزمبيق وأوغندا والكونجو البلجيكى،
لكن الحركةالصهيونية فى النهاية ركزت جهدها على فلسطين والقدس لما لهما من قيمةاساسية فى المعتقد الدينى والمركب الثقافى– القيمى عند قطاعات كبيرة منالجاليات اليهودية المنتشرة فى العديد من دول العالم، والتى واظبت التربيةاليهودية فيها على تلقين اليهود عبارات من قبيل: «نلتقى فى القدس»، «وإننسيتك يا قدس تنسانى يمينى»، «والعودة لأرض الميعاد»، وهذه التربية هىالتى اسهمت فى تهجير أكثر من نصف مليون يهودى من البلدان التى كانوايعيشون فيها خاصة دول أوروبا الشرقية،
لكن مهما كانت أهمية التعبئةاليهودية حول ما يسمى بالحق التاريخى فى فلسطين وأورشاليم القدس فإنها ماكانت تنجح فى تهجير كل هؤلاء اليهود إلا بعد أن ساعدتها الظروف التى ترتبتعلى صعود الحكم النازى فى ألمانيا وتداعيات الحرب العالمية الثانيةونتائجها. ومع ذلك تجدر الإشارة إلى أن قطاعات كبيرة من يهود العالم كانتوما تزال تعتقد بأن ما يسمى العودة إلى القدس هو تعبير رمزى ولاهوتى وغيرسياسى أى أنه غير مرتبط بالضرورة بإقامة دولة إسرائيل وهيكل سليمان منجديد،
وكان القديس أوغسطين قد اعتبر أن ما ورد فى التوراة بشأنمملكة إسرائيل أمر قائم فى السماء وليس على الأرض وقال: «إن القدس وصهيونليسا مكانين محددين على الأرض للسكان اليهود أو السكن لليهود ولكنهمامفتوحان فى السماء أمام كل المؤمنين بالله».
لكن مثل هذه الآراء لمتصمد طويلا أمام المصالح الغربية الاقتصادية والسياسية التى مهدت الطريقلظهور الحركة الصهيونية، ولم يكن من المصادفة فى شىء أن يتزامن البدء فىالبحث عما يسمى إسرائيل القديمة مع بداية الغزوات الأوروبية لمصر ومنطقةالشرق الأوسط، وكان بونابرت الذى غزا مصر عام ١٧٩٨ قد حمل معه ١٧٥ عالمافرنسيا عملوا عشرين عاما لإصدار كتاب فى وصف مصر، وتولوا فى الوقت ذاتهالبحث عما يسمى تاريخ إسرائيل القديمة اعتمادا على ما سردته الروايةالتوراتية، ثم واصلت بريطانيا نفس النهج وشكلت صندوق التنقيب فى فلسطينبرعاية الملكة فيكتوريا،
وهكذا دشن الغرب الاستعمارى عملية البحثعن إسرائيل القديمة ليخلق على أساسها ما بات يعرف باسم الحق التاريخىلليهود فى فلسطين والقدس. وبالتوازى مع هذه الجهود الأثرية أنتج الغربالمقولات التى تزعم أن اللغة العبرية هى أقدم اللغات (بوستيل، وجسينيوسواضع القاموس العبرى– الكلدانى، ورايفر واضع القاموس العبرى– الإنجليزى)،وهكذا جند الغرب كل أدواته المعرفية لاختلاق مفهوم الحق التاريخى لليهودفى فلسطين،
وكانت هذه الفكرة قد تعززت بقوة فى اوروبا بعد أن غيرجناح فى الكنيسة المسيحية موقفه السابق من اليهود الذى كان يعتبرهم «أمةملعونة» لأكثر من ١٥٠٠ سنة، لكونهم قتلة السيد المسيح، لكن هذا الموقفتغير كثيرا مع ظهور التيار البروتستانتى فى الكنيسة الغربية على يد مارتنلوثر الذى الف كتاب «المسيح ولد يهوديا»،
وكان يعتقد أنه يمكن أنيستميل اليهود إلى المسيحية ولما فشل فى مسعاه عاد فألف كتابا آخر بعنوان«ما يتعلق باليهود وأكاذيبهم»، وقد أدى ذلك إلى تمزق موقف قسم منالمسيحيين الغربين بين الدعم المطلق لليهود وبين اتخاذ مواقف متحفظة بلحتى رافضة مثلما هو الحال بالنسبة لاتباع الكنيسة الأرثوذكسية فى مصروغيرها من بلدان العالم.
لكن نظرية الحق التاريخى لليهود، رغمرسوخها فى الوعى الغربى، كانت قد تعرضت للتصدع بعدما بدأت مصادر عديدة فىنقدها ومراجعتها، وقد يكون مثيرا للدهشة التعرف على المدرسة اليهوديةالإسرائيلية التى تسهم بقوة فى تصدع نظرية الحق التاريخى لليهود فى فلسطينكما سنرى هنا لاحقا.
وكان الكثير مما اعتبر حتى وقت قريب منالأركان الأساسية التى تقوم عليها نظرية الحق التاريخى لليهود قد تصدعتبقوة على أثر التطور الكبير فى الكشوف الأثرية واستخدام تقنيات حديثة فىهذا المجال إلى جانب التطور الآخر فى علوم اللغة الذى ساعد بدوره على دكوخلخلة الكثير من المفاهيم السائدة، ورغم أن مصر القديمة كانت مسرحاللأحداث الجسيمة المنسوبة لتاريخ اليهود فإن البعثات الأثرية الأجنبيةالتى عملت فى مصر على مدار مئات الأعوام لم تعثر على أى أثرذى قيمة يمكنأن يعزز صحة هذه المرويات.
ومن الواجب علينا أولا إنصاف مدرسة كبيرةمن العلماء الغربيين الذين بحثوا بكل مهنية وموضوعية وتجرد فى مسألةالمرويات التوراتية وتوصلوا إلى نتائج مغايرة كثيرا لما ورد بهذهالمرويات، ومن ابرز هؤلاء: العالم الأيرلندى ماك اليستر الذى وضع كتاب«نصف قرن من التنقيب فى فلسطين» عام ١٩٢٥ وعالم الآثار الأمريكى «بول لاب»مؤلف كتاب «نقد علم الآثار التوراتى»،
ومن تلاميذه العلماء وليمويفر، وكيث وايتلام صاحب كتاب «اختراع إسرائيل وحجب فلسطين» عام ١٩٩٦،والعالم توماس طومسن صاحب كتاب «اختلاقات إسرائيل قديمة» ١٩٩٦ وكتاب«التوراة فى التاريخ كيف يخلق الكتاب ماضيا» ١٩٩٩، كما ينبغى التنويه بشكلخاص بالبروفيسورة كاثلين كانيون التى ترأست وشاركت فى العديد من بعثاتالتنقيب الأثرية فى فلسطين والقدس وخرجت باستنتاجات جريئة تكاد تنسف كلرواى علم الآثار التوراتى خاصة حول تاريخ أريحا وبقايا الهيكل.
وكانمن المفاجئ للجميع ألا تأتى المراجعة النقدية للمرويات التوراتية من عالمآثار مصرى مرموق مثل الدكتور زاهى حواس على الأقل فيما يخص التاريخ المصرىمن هذه المرويات وإنما جاءت من جانب علماء آثار يهود إسرائيليين يعيشونهناك ويعملون فى الحقل الأكاديمى والبحثى فى إسرائيل. كان البرفيسورإسرائيل فتكلشتاين رئيس قسم الآثار فى جامعة تل أبيب قد أصدر عام ٢٠٠٥كتابا بالاشتراك مع باحث أمريكى آخر بعنوان: «التوراة مكشوفة على حقيقتها–رؤية جديدة لإسرائيل القديمة وأصول نصوصها المقدسة على ضوء اكتشافات علمالآثار»،
وأحدث صدور هذا الكتاب- فى حينه ولا يزال- هزة عنيفة جدافى الأوساط الإسرائيلية العلمية والسياسية لكونه اظهر أن التوراة الحاليةكتبها حاخامات يهود فقط فى عهد الملك يوشيا ملك يهوذا فى القرن السابع قبلالميلاد، وليس كما كان يعتقد قبل ذلك بكثير حسب مرويات التاريخ اليهودى،
واستنتجالبروفيسور فنكلشتاين من أبحاثه الأثرية أن داود وسليمان لم يكونا ملكينكما تم تصويرهما فى القصص الدينى، وكانا اقرب إلى رئيسى عشيرة وأنهما لميقوما بأى اعمال عظيمة مما هو منسوب لهما فى القصص الدينى، وقال: «إنالحفريات التى بوشرت فى القدس لم تقدم أى إثبات على عظمة هذه المدينة فىعهد داوود وسليمان أما المبانى الضخمة المنسوبة قديما لسليمان فالأقرب إلىالعقلانية أنها تعود لملوك آخرين والآثار المترتبة على إعادة التنقيب كانتمفجعة،
وأكد هذا البرفيسور أن ما نسب إلى سليمان هو فى الحقيقةنتيجة خطأ تاريخى وأنه من صنع ملك آخر هو الملك آحاب الذى ظهر بعده بحوالىمائة سنة مما دعا مدرسة الآثار الإسرائيلية للأخذ بهذا الرأى واعتماد مابات يعرف باسم «تعديل فنكلشتاين» وقد ايد بروفيسور إسرائيلى آخر هو ديفيدأوسيشكن نتائج أبحاث إسرائيل فنكلشتاين رئيس قسم الآثار فى جامعة تل أبيب.
وكان الطرح الإسرائيلى الثانى والأكثر أهمية قد سجله البوفيسوراليهودى الإسرائيلى زائيف هرتزوج أستاذ علم الآثار فى جامعة تل أبيب والذىشارك لأكثر من ٣٠ عاما فى الحفريات الأثرية العديدة فى فلسطين وأصدر عدةكتب والعديد من الدراسات والأبحاث الأثرية العلمية التى أحدث نشرها دوياهائلا فى الأوساط العلمية والسياسية فى أغلب دول العالم، باستثناء مصر؟
كانالبرفيسور هرتزوج نشر خلاصة أبحاثه علنا فى ملحق صحيفة هآرتس الإسرائيليةيوم ٢٩/١٠/١٩٩٩، ونقتبس هنا بعضا مما قاله : «بعد سبعين عاما من الحفرياتالأثرية المكثفة فى أرض فلسطين توصل علماء الآثار إلى استنتاج مخيف، الأمرمختلف من الأساس فأفعال الأباء هى مجرد أساطير شعبية ونحن لم نهاجر لمصرولم نخرج من هناك ولم نحتل هذه البلاد وليس هناك أى ذكر لإمبراطورية داوودوسليمان والباحثون والمختصون يعرفون هذه الوقائع منذ وقت طويل لكن المجتمعالإسرائيلى لا يعرف».
وقال: «من الواضح للباحثين اليوم أن شعبإسرائيل لم يقم فى مصر ولم يته فى الصحراء ولم يحتل هذه البلاد بحملةعسكرية ولم يورثها لاثنى عشر سبطا إسرائيليا.. إن المملكة الموحدة لداوودوسليمان الموصوفة فى التوراة كقوة عظمى إقليمية كانت فى أفضل الأحوالمملكة قبلية صغيرة»، وأضاف: «أن القلق سينتاب كل من سيضطر للعيش مع فكرةأن يهوه إله إسرائيل كانت لديه زوجة وأن الدين الإسرائيلى الأقدم تبنىالتوحيد فقط فى هوامش عهد الملوك وليس على جبل سيناء، ورغم الأبحاثالحثيثة لم يتم اكتشاف ولو موقع واحد يمكن أن يتناسب مع الصورة التوراتيةلموقع جبل سيناء ومحطات أسباط إسرائيل فى الصحراء».
كانت هذهمقتطفات من نتائج الأبحاث العلمية التى أعلنها البرفيسور اليهودىالإسرائيلى هرتزوج خاصة عما يتعلق بمرحلة مهمة من تاريخ مصر حسب القصالدينى، ورغم أهمية ما قيل فإنه لم يسجل بعد أى ردة فعل من مدرسة المصرياتالأثرية،
وقد يكون من المهم الالتفات إلى أن يهودية هرتزوج وعملهالأكاديمى فى جامعة إسرائيلية لم يمنعاه من اتخاذ موقف موضوعى يفضل فيه مابين الدين والعلم وهو لم يعاقب أو ترفع ضده دعوى حسبة فى المحاكم رغمانتقاداته الخطيرة للقصص الدينى وهو يقول: «كابن للشعب اليهودى وكتلميذللمدرسة التوراتية أدرك عمق الإحباط النابع من الفجوة بين التوقعات وإثباتالتوراة كمصدر تاريخى وبين الوقائع المكتشفة على الأرض ولم يمنعن ذلك منأن أفحص وانتقد وأصحح أولا وقبل كل شىء تفسيراتى واستخلاصاتى السابقة إلىجانب انتقاد وتفسير أعمال نظرائى بشكل مجدد».
وسوف نلاحظ تشابها فىالالتزام بهذه القيم العلمية فى النموذج الآخر الذى يمثله البرفيسور كمالالصليبى المولود بجنسية مصرية واللبنانى المسيحى الذى ترأس دائرة التاريخفى الجامعة الأمريكية فى بيروت وصاحب العديد من المؤلفات والكتب والأبحاثوالتى يهمنا منها هنا كتب: «التوراة جاءت من الجزيرة العربية»، «وخفاياالتوراة وأسرار شعب إسرائيل»، «وحكايات بنى إسرائيل: انبياء وقضاة وملوك»و«حروب داوود».
كان كتبه «التوراة جاءت من الجزيرة العربية» قد أحدثانقلابا فى دراسات تاريخ اليهود وتاريخ المنطقة، وقد أسس الصليبى نظريتههذه على إعادة النظر فى «الجغرافية التاريخية للتوراة» وهو يقول: «إنهبدلا من أخذ جغرافية التوراة كمسلمة ومناقشة صحتها التاريخية سنأخذتاريخيتها كمسلمة وأناقش جغرافيتها»، ويذهب الصليبى فى كتبه وأبحاثه إلىأن أحداث العهد القديم لم تكن ساحتها فى فلسطين كما هو شائع بل إنها وقعتفى جنوبىغربى شبه الجزيرة العربية فى منطقة بطول ٦٠٠ كم وبعرض ٢٠٠ كموتشمل اليوم عسير.
وقد ورد فى مقدمة هذا الكتاب ما يلى: «الواقع أنهذا الكتاب يبحث فى الجغرافية التاريخية للتوراة وليس فى أى أمر آخر بمافيه قضية الصهيونية، فيهود اليوم ليسوا استمرارا تاريخيا لبنى إسرائيلليكون لهم شىء يسمى حقوق، والصحيح أن الحقوق التاريخية للشعوب تزولبزوالها، وأساس هذا الكتاب هو المقابلة اللغوية بين أسماء الأماكنالمضبوطة فى التوراة بالحرف العبرى وأسماء أماكن تاريخية أو حالية فى جنوبالحجاز وفى بلاد عسير مأخوذة عن قدامى الجغرافين العرب»
ويضيف:«قد تبدو مقولة هذا الكتاب فى منتهى الغرابة للوهلة الأولى ليس فقطبالنسبة لليهود والمسيحية بل أيضا للمسلمين.. كان الوجود اليهودى القديمفى شبه الجزيرة العربية مشهود به فى التواريخ العربية وفى الشعر الجاهلىوكانت اليهودية ديانة آخر ملوك حمير باليمن» وفى الفصل الأول من الكتابيقول: «لم يثبت بعد إطلاقا تطابق الخريطة الموصوفة فى التوراة مع خريطةالأرض بين النيل والفرات التى اعتبرت حتى اليوم انها كانت بلاد التوراة..اليهودية لم تولد فى فلسطين بل فى غرب شبه الجزيرة العربية وليس فى أىمكان آخر..
وبالتالى فإن بنى إسرائيل من شعوب العرب البائدة أى من شعوب الجاهلية
الأولى»،وفى إحدى مقابلاته الصحفية قال الدكتور الصليبى: «الأكيد أن قصة موسىالتوراتية لا علاقة لها بفلسطين بل بدأت من أحد أودية نجران إلى بحر صافىفى أطراف الربع الخالى نزولا لليمن ويعود صعودا فى نهاية عسير ويقطعالسراة لداخل عسير ثم الحجاز ويموت بالطائف».
وفيما يخص مصر فإنالكتاب يذكر فى ص٣٦: «أن حملة الملك المصرى شيشانق الأول ضد يهوذا فىأواخر القرن العاشر قبل الميلاد كما هى واردة فى التوراة العبرية والسجلاتالمصرية كانت موجهة ضد غرب شبه الجزيرة العربية، وحملة «نكو» الثانى فىالسنوات الأخيرة من القرن السابع قبل الميلاد كانت بدورها ضد شبه الجزيرةالعربية.. ولو كان داوود وسليمان هما السيدان الفعليان لدولة شاميةمترامية الأطراف تسيطر على الإقليم الاستراتيجى الذى يفصل مصر عن بلادالعراق كما هو الافتراض الشائع لكانت السجلات المصرية والآشورية المتعاصرةأشارت اليهما بالتأكيد باسمائهما وهو ما لم تفعله هذه السجلات»،
ويقولفى ص ٥٢ من الكتاب: «لم يكتشف حتى الآن أى أثر حقيقى غير قابل للنقاش حولالأسر الإسرائيلى فى مصر أو حول الخروج الإسرائيلى من هناك فى أى عصر منالعصور القديمة» ويقول إن المكان المسمى فى التوراة مصريم لم يكن بالضرورةهو مصر ويشير فى الهامش إلى أنه يكثر فى أراضى عسير الداخلية وجود اسممصر.
ولسنا بالطبع هنا فى وارد إثبات أو دحض هذه النظرية ولا يجوزلنا أصلا أن ننوب فى ذلك عن مدرسة المصريات المرموز لها بالدكتور حواس،لكن ما يهمنا الإشارة إليه مجددا هو أن كمال الصليبى كباحث علمى موضوعى لميجفل من أن تتعارض ابحاثه مع القصص الدينى وهو يقول: «إن الدين ليس لهعلاقة بالتاريخ والجغرافيا.. أنا احترم قدسية النصوص واحترم اتباعها واسمحلنفسى بحرية النظر التاريخى فيها، للعقل ألف عين وللقلب عين واحدة».
منالواضح الآن أن الغائب الأكبر هنا هو الرواية العلمية المصرية رغم أنهاالجهة المعنية أكثر حتى من المدرسة اليهودية ببلورة نظرية مكتملة لهذاالجانب المثير للجدل فى سجلات التاريخ كما فى القصص الدينى. إن المزيد منالحفريات والمزيد من استخراج الآثار هو من الأمور المهمة بالتأكيد لكنالأمر الأهم قد يكون إعمال المزيد من الحفريات فى المناطق المسكوت عنها فىالعقل المصرى واستخراج الجديد والنافع من الدراسات والأبحاث والنظرياتالعلمية،
وقد تكون البداية هى إثارة الجدل حول الموضوعات التىأثارها هرتزوج وكمال الصليبى وكل ما يتعلق بعلاقة مصر باليهود، وهل ترىالمصريات فرقا بين اليهود وبنى إسرائيل كما يقترح ذلك الصليبى، والقولالفصل علميا فى قصة خروج بنى إسرائيل من مصر،
وفى عهد أى فرعون جرىهذا الخروج، هل هو رمسيس الثانى أم مرنبتاح أو لا هذا ولا ذاك، وكيف يمكنحسم الأمر فى شخصية هامان الذى تقدمه التوراة وزيرا لملك فارسى بعد أكثرمن سبعة قرون تفصله عن هامان وزير فرعون، وما الذى يقدمه لنا علم المصرياتبشأن الآباء التوراتين: إبراهيم وبوسف ويعقوب، وقائمة طويلة أخرى منالأسئلة التى تفتح على أسئلة أخرى لا يجوز أن تبقى هكذا معلقة بين الحقيقةوالخيال.
وإذا كانت مصر تخلفت عن عصر البخار ثم عصر الصناعة فعصرالتكنولوجية والديجيتال والهندسة الوراثية، فمن غير المقبول أن نتخلف أيضافى مجال التاريخ الذى كنا أول صفحة فى كتابه وأول حرف فى أبجديته.
المصدر: المصري اليوم مقال للدكتور سمير غطاس








1 التعليقات:
بارك الله فيك
إرسال تعليق