قبل بعثتِه، لم يكن عند محمد (صلى الله عليه وسلم) همٌّ مالي. فكونهتاجراً كيِّساً ومشهوراً، جعله يحصل على دخل مُرضي ووافر. ولقد أصبح بعدبعثته أسوء حالاً مادياً ممّا كان عليه قبل البعثة، وذلك بسبب شغلهبالنبوّة. لمزيد من التَوضيح في هذه الظروف، يليق هنا أنْ نَنْظرَ في هذهالآثار عن حياتِه:
فعَنْ عُرْوَةَ عَنْ عائشة زوج النبي (صلى الله عليه وسلم) أَنَّهَاكَانَتْ تَقُولُ: «وَاللَّهِ يَا ابْنَ أُخْتِي إِنْ كُنَّا لَنَنْظُرُإِلَى الْهِلَالِ ثُمَّ الْهِلَالِ ثُمَّ الْهِلَالِ ثَلَاثَةَ أَهِلَّةٍفِي شَهْرَيْنِ وَمَا أُوقِدَ فِي أَبْيَاتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّىاللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَارٌ قَالَ قُلْتُ يَا خَالَةُ فَمَا كَانَيُعَيِّشُكُمْ قَالَتْ الْأَسْوَدَانِ التَّمْرُ وَالْمَاءُ إِلَّاأَنَّهُ قَدْ كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَجِيرَانٌ مِنْ الْأَنْصَارِ وَكَانَتْ لَهُمْ مَنَائِحُ فَكَانُوايُرْسِلُونَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَمِنْ أَلْبَانِهَا فَيَسْقِينَاهُ». (رواه مسلم).
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ صاحب النبي (صلى الله عليه وسلم) قَالَ:
«مَا أَكَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى خِوَانٍوَلَا فِي سُكْرُجَةٍ وَلَا خُبِزَ لَهُ مُرَقَّقٌ». (رواه البخاري).
وعَنْ عَائِشَةَ زوج النبي (صلى الله عليه وسلم) قَالَتْ:
«إِنَّمَا كَانَ فِرَاشُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَالَّذِي يَنَامُ عَلَيْهِ أَدَمٌ حَشْوُهُ لِيفٌ». (رواه الترمذي).
وعَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ خَتَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُعَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخِي جُوَيْرِيَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ قَالَ
«مَا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَمَوْتِهِ دِرْهَمًا وَلَا دِينَارًا وَلَا عَبْدًا وَلَا أَمَةً وَلَاشَيْئًا إِلَّا بَغْلَتَهُ الْبَيْضَاءَ وَسِلَاحَهُ وَأَرْضًا جَعَلَهَاصَدَقَةً». (رواه البخاري).
لقد عاشَ محمد (صلى الله عليه وسلم) هذه الحياةَ الشظِفَ حتى الممات،بالرغم من أن بيت مال المسلمين كَان تحت تصرّفه. فقَبْلَ موته، كان الجزءالأعظم لشبهِ الجزيرة العربيةِ مسلماً، وكان المسلمون منتصرين بعد ثمانيةعشْر عاماً مِنْ بِعْثتِه.
فهَلْ يمكن أنْ يكون محمد (صلى الله عليه وسلم) ادّعى النبوّة لينال بها المكانة والرفعة والسلطة؟
إنّ الرغبة في المجد والسلطة تظهر غالباً في الطعام الجيّدِ واللباس غيرالمألوفة، والقصور التذكارية، والحراسة الجسيمة، والسلطة لا تقبلالمنازعة. فهَلْ هناك أمر واحد من هذه الأمور يكون قدْ انْطبق على محمد(صلى الله عليه وسلم)؟ ها هي بعض مظاهر حياتِه التي قَدْ تُساعدُ علىالإجابة عن هذا السؤالِ، فنقول:
على الرغم مِنْ مسؤوليتِه لكونه نبيّاً ومعلِّماً وسياسيّاً وقاضياً،كَانَ محمد (صلى الله عليه وسلم) يَحْلبُ شاته، ويُصلّحُ ملابسَهوأحذيتَه، وكان يُشارك في الأعْمالِ البَيْتِيِّة، ويَعود المرضى. وكذلكساعد أصحابه وهم يَحْفِرُونَ الْخَنْدَقَ حَوْلَ الْمَدِينَةِوَيَنْقُلُونَ التُّرَابَ عَلَى مُتُونِهِمْ. كَانتْ حياته نموذجاًمُدهِشاً للبساطةِ والتواضع.
كان أصحاب محمد (صلى الله عليه وسلم) يُحبّونه ويَحْترمونه، وكانوا يثقونبه إلى درجة مُدهِشة. ومع ذلك، كان يُذكِّرهم دائماً أَنَّه إنّما هو عبدفلا يُعبد، وأنّ الله وحده هو المستحقّ للعبادة. ذَكرَ صاحب النبي (صلىالله عليه وسلم)، أنس (t) أنّهم كانوا يُحبّون النبي محمد (صلى الله عليهوسلم) أكثر من حبِّهم لأيّ واحد، ومع ذلك لم يكونوا يقومون له إذا قدمإليهم، وذلك أنّه كان يكره أنْ يقوم الناس له كما يفعله الآخرون لعظمائهم.
في حين لم يكن هناك أيّ آمال النجاحِ للإسلامِ وفي بداية عهد طويل وعسيروكان محمد (صلى الله عليه وسلم) وأصحابه يُعانون فيه التعذيب والمعاناةوالاضطهاد، جاءه عرْضٌ مثير الاهتمام. ففيما رواه ابن هشام، أرسل زعماءُقريش عُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ إلى محمد (صلى الله عليه وسلم) فقال له:"إنْ كُنْت إنّمَا تُرِيدُ بِمَا جِئْتَ بِهِ مِنْ هَذَا الْأَمْرِ مَالًاجَمَعْنَا لَك مِنْ أَمْوَالِنَا حَتّى تَكُونَ أَكْثَرَنَا مَالًا ،وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ بِهِ شَرَفًا سَوّدْنَاك عَلَيْنَا ، حَتّى لَانَقْطَعَ أَمْرًا دُونَك ، وَإِنْ كُنْت تُرِيدُ بِهِ مُلْكًا مَلّكْنَاكعَلَيْنَا…". ولقد طلبوا مِنْ محمد (صلى الله عليه وسلم) عوضاً عن كلِّذلك، أنْ يكفّ عن دَعوة الناسِ إلى الإسلامِ وإلى عبادة اللهِ وحده لاشريك له. أ ليس من شأن مثل هذاالعرض أن ِيَكُونَ مُغرياً لأيِّ رجل همّهطلب المنفعةَ الدنيويةَ؟ وهَلْ كان محمدٌ متردِّداً أمام هذا العرض؟ هَلْرَفضَه إستراتيجيا في المفاوضة تَاركاً البابَ مفْتوحاً لعَرْضٍ أفضل؟ بلأجابهم بهذه الآيات القرآنية فَقرأ: بِسْمِ اللّهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ)حم تَنْزِيلٌ مِنَ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ كِتَابٌ فُصّلَتْ آيَاتُهُقُرْآنًا عَرَبِيّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَأَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ(. (فصلتْ: 1-4). ثُمّ مَضَى رَسُولُاللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِيهَا يَقْرَؤُهَا حتّى انْتَهَىإلَى السّجْدَةِ مِنْهَا عَلَيْهِ، أي الآية رقم: 38.
مرّة أخرى، وردّاً على دعوة عمِّه إيّاه ليكُفَّ عن دَعوة الناسِ إلىالإسلامِ، أجاب محمد (صلى الله عليه وسلم) بكلّ صراحة وإخلاص: «يا عم لووضعت الشمس في يميني والقمر في يساري ما تركت الأمر حتى يظهره الله أوأهلك في طلبه». (رواه ابن هشام وابن كثير في سيرتيهما).
في أثناء ثلاثة عشر عاماً، لم يَلْقَ محمدٌ (صلى الله عليه وسلم) وأصحابهالمعاناة والاضطهاد فحسب، بل إنّ المشركين حاولوا أَنْ يَقْتلوه عدّةمرات. فمرّة، حاولوا أنْ يوقعوا على رأسهِ صخرة كبيرة. ومرّة أخرى وضعواالسُمّ في طعامه. فماذا يمكن أَنْ يُبرِّر مثل هذه الحياةِ المليئةبالمعاناة والتَضحية حتى بعد أنْ أصبح منتصراً على أعْدائه؟ ماذا يمكنأَنْ يُوضح هذا التواضع عند محمد (صلى الله عليه وسلم) وهذا الكرم فيأخلاقه؟ أليس بحق أنْ يُقال إنّ ذلك كان بعون من الله بدل من أنْ يُقالإنّه كان من عبقريّته؟ هَلْ هذه هي خاصية رجل أنانيٍّ أو مُتعطِّش للسلطة؟
المصدر :http://www.islamonline.net







4 التعليقات:
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلي وسلم على خير الأنام محمد إبن عبد الله
الله يجزاك خير على التدوينة الرائعة
أسأل الله العظيم أن يجعلها في ميزان حسناتك
قد تعجز الكلمات عن شكرك يا أخي الكريم
مجهود جبار يستحق اسمى معاني
التقدير والاحترام
بارك الله فيك
موضوع يستحق الرد
مقال رائع و ممتاز
تستحق عليه كل الشكر و يجب نشره لإفادة الناس
مشكورة أختي راندا وكذا أخي خالد وبالطبع كل الشكر لأخي عربية جرافيكس
إرسال تعليق