خرج المسلمون بادئالأمر من أجل اعتراض قافلة تجارية كبيرة بها ألف بعير وثروة تقدر بـ 50ألف دينار ذهبي، بقيادة "أبي سفيان بن حرب"، لتعويض بعض ما أخذه المشركونمنهم في مكة. إلا أن أبا سفيان علم بما يدبره المسلمون فغير من طريقهوأرسل في طلب نجدة قريش.
وما أن علمت قريش بالأمر حتي خرجت للقتالفي جيش قوامه 1300 مقاتل ومعهم 600 درع و100 فرس، وأعداد ضخمة من الإبل،أما عدد المسلمين فكان حوالي 314 مقاتلا، منهم 83 من المهاجرين.
استشارالنبي صلى الله عليه أصحابه لمعرفة موقف الأنصار من القتال ، فأدرك سعد بنمعاذ مقصد الرسول وقال امض يا رسول الله لما أردت؛ فنحن معك، فوالذي بعثكبالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد،وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدا، إنا لصبرٌ في الحرب، صدقٌ في اللقاء".
سُرّ النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال: "سيروا وأبشروا فإن الله تعالى وعدني إحدى الطائفتين".
ورغمالشورى والبشارة فإن بعض قلوب المؤمنين كانت تكره اللقاء، والأخرى كانتتريد العير. وصور القرآن الكريم هذه الحالة النفسية للمؤمنين تصويرا دقيقافي قوله تعالى: "كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّوَإِنَّ فَرِيقًا مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ * يُجَادِلُونَكَ فِيالْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِوَهُمْ يَنظُرُونَ * وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتِيْنِأَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُلَكُمْ وَيُرِيدُ اللهُ أَن يُّحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَدَابِرَ الْكَافِرِينَ" (الأنفال: 5 - 7).
نزل المصطفي أدنى بئربدر عشاء ليلة الجمعة السابع عشر من رمضان، فتقدم أحد مقاتلي الأنصار وهو"الحباب بن المنذر" فأشار علي النبي صلى الله عليه وسلم : "يا رسول اللهأرأيت هذا المنزل، أمنزل أنزلكه الله، ليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخر عنه؟أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟" فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "بل هوالرأي والحرب والمكيدة".
فقال: "يا رسول الله، فإن هذا ليس بمنزل،فانهض بالناس حتى نأتي أدنى ماء من القوم فننزله ونغوّر ما وراءه من القلب(أي الآبار)، ثم نبني عليه حوضا، فنملأه ماء، ثم نقاتل القوم، فنشرب ولايشربون"، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لقد أشرت بالرأي".
ثماقترح "سعد بن معاذ"على النبي صلى الله عليه وسلم أن يبني المسلمون لهمقرا لقيادته، يقوم على حراسته عدد من الشبان الأشداء ويكون مجهزا ببعضالركائب، وعلل سعد اقتراحه بقوله: "وإن كانت الأخرى جلست على ركائبك فلحقتبمن وراءنا من قومنا، فقد تخلف عنك أقوام، يا نبي الله ما نحن بأشد لك حبامنهم، ولو ظنوا أنك تلقى حربا ما تخلّفوا عنك، يمنعك الله بهم، يناصحونك،ويجاهدون معك"، وهو إدراك بأهمية الحفاظ على القيادة، فليس من الحكمة أنتكون القيادة المسلمة مكشوفة في الصراع مع أعدائها، ولذلك أثنى النبي صلىالله عليه وسلم على هذا الاقتراح، وأمر بتنفيذه، وكان سعد هو قائد الحرسلهذا المقر.. نعم القائد ونعم صحابته .
مضى النبي صلى الله عليهوسلم يعبئ الجيش للقتال، ويشحذ معنوياته، وكان من روعة هذه التهيئةالنفسية الإيمانية أن النبي صلى الله عليه وسلم مشى في ميدان المعركةوأشار إلى مصارع بعض كبار المشركين، فبدأت النفوس القلقة تهدأ وتستقر، ثموقف صلى الله عليه وسلم يناجي ربه أن ينزل النصر على المسلمين، وأخذ يهتفبربه قائلا: "اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهلالإسلام لا تعبد في الأرض" حتى سقط الرداء عن كتفيه صلى الله عليه وسلموهو مادٌّ يديه إلى السماء، فأشفق عليه أبو بكر الصديق، وأعاد الرداء إلىكتفيه والتزمه (احتضنه) وهو يقول: يا نبي الله كفاك مناشدتك ربك، فإنهسينجز لك ما وعدك" فخرج النبي صلى الله عليه وسلم، وهو يقول: "سيهزم الجمعويولون الدبر".
وفي ليلة بدر أنزل الله مطرا خفيفا على المسلمينثبت به الأرض من تحتهم، بينما كان المطر شديدا على معسكر المشركين، وغشيالمسلمين في هذه الليلة نعاسٌ، ملأ النفوس طمأنينة، والأجساد راحةواسترخاء، وكانت منحة من الله تعالى لهم، ثم أوحى الله تعالى إلى الملائكةأن يثبتوا الذين آمنوا، وألقى الله الرعب في قلوب الذين كفروا، ثم قللالله تعالى عدد المشركين في أعين المسلمين، وقلل عدد المسلمين في أعينالمشركين، فقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم المشركين في منامه قلة لاقيمة لهم، ولا وزن.
سار النبي صلى الله عليه وسلم إلي أرض المعركةلصالحه وسبق المشركين إلى الميدان، فجعل الشمس في ظهره، أما قريش فكانتالشمس في أعينها.
حفز النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه على القتالبعبارة قوية لا تحمل أي تردد أو خوف فقال: "قوموا إلى جنة عرضها السماواتوالأرض"، "والذي نفس محمد بيده لا يقاتلهم اليوم رجل فيُقتل صابرا محتسبامقبلا غير مدبر إلا أدخله الله الجنة"، فقال "عمير بن الحمام": "بخٍ بخٍأفما بيني وبين أن أدخل الجنة إلا أن يقتلني هؤلاء؟!"، ثم سأل "عوف بنالحارث" النبي صلى الله عليه وسلم سؤالا عجيبا فقال: "يا رسول الله مايضحك الرب من عبده؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "غمسه يده في العدو حاسرا"؛فنزع "عوف" درعا كانت عليه فقذفها ثم قاتل حتى استشهد.
بدأ القتالبمبارزة كان النصر فيها حليف المسلمين، فحمي القتال، وقتل 70 من المشركين،وأسر مثلهم، وكان من بين القتلى أئمة الكفر: "أبو جهل" و"عتبة وشيبة أبناءربيعة" و"أمية بن خلف"، و"العاص بن هشام بن المغيرة". أما المسلمونفاستشهد منهم 14 رجلا، 6 من المهاجرين، و8 من الأنصار.
مكث النبيصلى الله عليه وسلم في أرض المعركة في بدر 3 أيام، وقسم الرسول الغنائمبين أصحابه بالتساوي وأعطى بعض الذين لم يشهدوا القتال لبعض الأعذار مثلعثمان بن عفان الذي كان مع زوجته رقية في مرضها الذي ماتت فيه، وأعطى أسرالشهداء نصيبهم من الغنائم.
أما الأسرى، فلم يسأل الصحابة فيهمالنبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن الغالبية العظمى كانت تميل إلى أخذ الفداءباستثناء "عمر بن الخطاب" و"سعد بن معاذ" اللذين كانا يحبذان الإثخان فيالقتل، لكسر شوكة الكفر فلا يقوى على محاربة الإيمان.
استشار النبيصلى الله عليه وسلم الصحابة في أمر الأسرى، فأيدوا الفداء، إلا أن القرآنالكريم أيد الإثخان في القتل، لكن روعة الإسلام أن القرآن لم يأمر النبيصلى الله عليه وسلم بالرجوع عن القرار الذي اتخذ بعد الشورى .. وكانت بدرفاتحة خير علي المسلمين فقد كانت مولد دولة الإسلام .








0 التعليقات:
إرسال تعليق